أسرة ومجتمع

أربعة فتيان … يقعون في شرك المخدّرات وتنقذهم التوعية

 

 

شاءت الأقدار، عام 2015، أن تجمع الفتيان الأربعة عماد وسمير وسامر ولؤي في مدينة طرابلس، شمال لبنان، حيث لجأ سمير وسامر، وهما توأمان، مع عائلتهما، إبّان الحرب في سوريا. لؤي أيضاً سوري، والدته لبنانية، يعيش مع أهله في لبنان منذ سنوات طويلة، في حين أنّ عماد لبناني الجنسية. كانوا جميعاً آنذاك في السادسة عشرة من عمرهم. كانت علاقتهم قائمة على الصداقة والمحبة إلى أن شابها ذاك الغبار الأبيض الذي كاد أن يودي بهم إلى الهلاك.

 

 

في حارة واحدة

 

جمعت حارة واحدة ومدرسة واحدة الفتية الأربعة. كانوا يستقلّون الباص نفسه للذهاب صباحاً إلى المدرسة. لقد شكّل لؤي وعماد وسمير وسامر “شلّة” للهو والدرس معاً. كان سطح منزل عماد مكانهم المفضّل لقضاء وقت ممتع، لا سيّما صيفاً، خصوصاً أنه يطلّ على منظر خلاب. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تعرّف فيه عماد على شاب يكبره بسنتين. بدأت حينها علاقة الأصدقاء الأربعة بالتصدّع. فعماد بات يغيب عنهم، مفضّلاً رفقة صديقه الجديد. لا يتذكّر سامر وسمير ولؤي شكل الشاب أو اسمه: كان عماد يتجنّب أن يعرّفهم إليه لسبب غير واضح بالنسبة لهم، متحجّجاً بأنّ صديقه لا يحب مخالطة أشخاص جدد.

 

مرّت الأيام، إلى أن قرّر سمير زيارة عماد في منزله دون سابق إنذار. صعد إلى السطح ودخل بهدوء كي لا يشعر عماد بحضوره، فوجده يدخن سيجارة وهو يحدّق بعيداً نحو السماء. ابتسم سمير وبادر صديقه بالقول:

“أيه قلّنا إنّو القصة دخان. كنا دخنّا معك من شان تضلّ معنا.” ارتعد عماد وارتبك جدّاً ثم رمى السيجارة بعيداً. استغرب سمير ردّة فعله وراوده الشك: “شو كان فيها هالسيجارة؟”. بقي عماد صامتاً للحظات قليلة ثم أخبر صديقه بأنه “يُحشّش” منذ مدّة وأنّ صديقه الجديد هو من “يدبّر” له المخدّرات. وراح يصف شعوره بمتعة عجيبة حين يدخّن هذا الشيء البني اللون، معترفاً بأنها مادة مضرّة لذا لا يريد أن يورّط أصدقاءه معه ففضّل الابتعاد عنهم.

 

بدافع الصداقة، حاول سمير أن يواسي صديقه، فقال له “منجرّبها سوا، مو مشكلة”. ورغم سعي عماد لرفض اقتراح سمير، إلّا أن هذا الأخير أصرّ أن “يجرّب”، فتحوّلت التجربة إلى تجربتين وثلاث، حتى بلغ الأمر حدّ الإدمان الذي جرف أيضاً لؤي وسامر بداعي تأكيد أواصر الصداقة المتينة بين الشبّان الأربعة.

 

السرقة وكشف المستور

 

كان تأمين المال من أجل شراء المخدّرات من “صديق” عماد هو العائق الأكبر بالنسبة للفتية الأربعة. إتفقوا على أن يتناوبوا على سرقة أموال أهلهم، ففي كل أسبوع، يُكلَّف واحد منهم “بتدبير” المال. انزلقوا إلى عالم الإدمان والسرقة والاحتيال محاولين جاهدين ألّا يشعر الأهل بشيء مريب. في بادئ الأمر، كانت الأموال التي يحصلون عليها بواسطة السرقة والكذب تفي بغرض إحضار المادة المطلوبة. لكن المشكلة تفاقمت عندما أصبح الأربعة في عداد المدمنين فأمعنوا في سرقة المال بالسرّ والعلن، إلى أن لاحظت والدة عماد نقصاً في أموالها التي تخبّئها في خزانتها، إضافةً لاجتماعات الأصدقاء الأربعة المتكرّرة على سطح منزلها، وإهمالهم لدروسهم. راح الشك يراودها بعد أن شاهدت كميات من أعقاب السجائر على السطح. قرّرت أن تفاجئ عماد وأصدقاءه الثلاثة أثناء وجودهم على السطح. أقنعت ابنها أنها ذاهبة للنوم ثم صعدت بهدوء إلى مكان اجتماعهم لتجدهم يدخنون وويضحكون بشكل هستيري. ما أن رأوها واقفة أمامهم، ترمقهم بنظرات التأنيب، حتى رموا جميعاً سجائرهم وارتبكوا وخافوا.

 

 

بدء الحلول

 

يقول سامر إنه، ولحسن الحظ، أنّ والدة عماد كانت مديرة مدرسة سابقاً وتعرف جيداً كيف تتعامل مع الموضوع لأنها واجهت هكذا مشاكل مع التلاميذ وعملت على حلّها برويّة، بالاتفاق مع المرشدة النفسية. لكن لم يخطر يوماً على بال أم عماد أن يتورّط ابنها بهكذا إدمان رغم حسن تربيتها له. ويكمل سمير بأنّ أمه غضبت جدّاً حين علمت بالأمر لكن أم عماد هدّأت من روعها وأكدت لها أنها ستسعى لتأمين المساعدة اللازمة للشبّان الأربعة. أمّا والدة لؤي فكادت أن تقطع علاقتها بأهل عماد وسمير وسامر رغم العشرة الطويلة التي جمعتها بهم، لأنهم، برأيها، “جرّوا” ابنها إلى فعل منكر، ولولا تدخّل أم عماد أيضاً لكانت القطيعة واقعة لا محالة.

 

يقول عماد إنّ أمه حاولت “لملمة الموضوع قدر المستطاع” حرصاً على سلامة ابنها وأصدقائه وعلى علاقتها بأهاليهم، فسارعت إلى معالجة المشكلة بعناية شديدة خصوصاً حين عرفت أنّ ابنها هو من ساق أصدقاءه إلى تعاطي المخدّرات. لكنها كانت مدركة تماماً، على حدّ قول عماد، أنّ الحل لن يكون رهن تدخّلها فقط، فلجأت، مع أهل الشبّان المدمنين، إلى جمعيّة تعنى بالأطفال وتعمل على توعيتهم على أخطار المخّدرات. أجبر أهل عماد وسمير وسامر ولؤي أولادهم على الذهاب بشكل دوري كي يخضعوا للعلاج من الإدمان، وأيضاً لحضور محاضرات توعوية عن خطر المخدّرات وإدمانها.

 

 

من المخدّرات إلى التطوّع

 

تشير المعالجة النفسية في الجمعيّة إلى إنّ “الحالات الواعية” كحالة عماد وأصدقائه قليلة، فغالباً ما تكون الحالات التي يعالجونها ناتجة عن إهمال الأهل. أما في حالة الشبّان الأربعة، فأهلهم لم يكونوا مهملين لهم أو سيئين بحقّهم، بل يعاملونهم أفضل معاملة ويوفّرون لهم أحسن تعليم. لكن، رغم ذلك، تسلّلت المخدّرات إلى حياتهم.

 

يعترف لؤي أنه كان يشعر بالنشوة والأذى في آنٍ معاً حين كان يتناول هذه المادة الغريبة، عازياً ما فعله مع أصدقائه إلى رغبتهم بأن يوهموا أنفسهم أنهم أصبحوا رجالاً، دون أن يحدّد طبيعة الرابط بين الرجولة والتدخين أو “التحشيش”: إنها فكرة مغلوطة سائدة بين الشباب في المدارس.

 

… بدأ الفتيان الأربعة بالتعافي. فقد تضامنوا بعضهم مع بعض لاستعادة حياتهم الطبيعية، مستفيدين، إلى أقصى حدّ، من دعم الأهل والجمعيّة. فما بدأ كعلاج نفسي واجتماعي وصحي تحوّل إلى حالة متكاملة من التوعية والإدراك لحقيقة الآفة التي كادت أن تودي بهم إلى نهايات وخيمة.

 

تطوّع الشبّان الأربعة في الجمعيّة وصاروا يقومون، بدورهم، بحملات توعية، من خلال جولات على المدراس تنظمها الجمعيّة، يسردون خلالها قصتهم لتلامذة لا يكبرونهم سنّاً. استمرّ جهدهم طيلة سنتين حتى عام 2017، وقد تخلّل تلك الجولات التوعوية إقامة مسرح تفاعلي صنعه الشباب الأربعة وراحوا يطوّرونه حتى أصبح هذا المسرح الجوّال بمثابة مساحة مخصّصة لرواية قصة عماد ولؤي وسمير وسامر، إضافةً لقصص توعوية تمثيلية يؤلّفها الأصدقاء الأربعة وتلقى رواجاً وتفاعلاً في أوساط مشاهديها.

 

يعتبر عماد أنّ تجربة تعاطيهم المخدّرات التي لم يتجاوز عمرها السنة، شكّلت بالنسبة له ولأصدقائه حافزاً ودافعاً لتحقيق الأفضل. فبسبب هذه التجربة المريرة، بات حلمهم بتحقيق ذواتهم على أفضل وجه هدفاً يسعون إليه بشغف لا متناهٍ. في حين يضيف سمير بأنّ صداقتهم بانت على حقيقتها: لقد أثمر تضامنهم قصة ملهمة يحب أن يسردها على مسامع الناس كي يستفيدوا من عِبَرها فلا يدخلون في متاهة “التحشيش” وتبعاته المدمّرة كالسرقة وربما الجريمة على أنواعها.

 

 

من التطوّع إلى العمل

 

في نهاية عام 2018، جاء موعد سفر سمير وسامر مع أفراد عائلتهما إلى كندا بعد أن تقدّموا بطلب لجوء نال موافقة بعد ثلاث سنوات. يعترف الشابان أنهما بكيا حينها لأنهما سيفارقان المسرح التفاعلي وصديقيهما عماد ولؤي ومدينة طرابلس التي أحبّاها كثيراً. لكنهما يؤكدان أنهما مصمّمان على نقل خبرتهما في مجال التطوّع والتوعية إلى كندا. أمّا المفارقة فهي ما حصل مع لؤي وعماد. لقد تحوّل التطوّع وإحياء المسرح التفاعلي إلى عمل فعلي يمارسانه في إطار الجمعيّة التي قدّمت لهما الرعاية وهما لا يزالان يعملان ضمن فريقها حتى اليوم، وما برحت تلك التجربة العصيبة التي مرّا بها تشكّل، بالنسبة إليهما، درساً لن ينسياه أبداً، لا بل يعلّمان فوائده للناس.

 

اليوم، يتحادث الشباب الأربعة، كما في الماضي، لكن عبر وسائل التواصل الإجتماعي. يستذكرون سهراتهم وأيامهم الجميلة ومسيرتهم وصولاً إلى كتابة أوّل سطور حكاية نجاح بدأت بتدخين سيجارة ولا تزال فصولها تتوالى.

 

 

الرقم الساخن لجمعيّة “إنقاذ الطفل” في لبنان: 01281865

 

منظمة “إنقاذ الطفل” الدولية – هاتف: 81600686

 

جمعيّة “بسمة وزيتونة” – هاتف: 76939238

 

“هيومن رايتس ووتش” – هاتف: +9611217670

 

جمعيّة “شبكة الإغاثة والمساعدات” العالمية – بيروت – هاتف: +96171196809

 

شبكة عكار الإنمائية: – الخط الخاص بحماية الطفل والدعم النفسي الاجتماعي: we

 

81312538

 

تقرير :جوان الملا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى