الفن الأصيل في رحلة “ميساء أبو ديب”
الفن الأصيل ورغم كلّ ملوِّثات العصر مازال أثرُهُ ينضح، يؤثِّرُ في الذَّاتِ ويتحرَّكُ في فضاءاتِها، ومازالَ يتردَّدُ في صوت شابَّة ترعرعتْ على أيدي عمالقة الزَّمنِ العريقِ دون أن تنجرفَ مع التَّيارِ لتعيشَ حالةَ الشُّهرةِ ضمن مفاهيم “التّريند” .
وللفن الأصيل أصولٌ، وإتقانُها يتوجَّب على السَّاعي أن يبحثَ أكثر ويسمعَ أكثر، ويتمرَّنَ ضِعف ما يسمع حتَّى يستطيعَ أن يعيدَنا إلى زمنٍ عريقٍ أسرَ ذواتنا ومازالَ يفعلُ بها.
وأنت تمشي بينَ زوايا حمص القديمة تسمعُ أصواتاً تغريك أن تقفَ مُطوَّلاً لتسمعَ أكثر، فخلفَ جدرانِ هذه المنازل المهدَّمة التي نامتْ حجارتُها على أرصفةِ الشَّوارعِ هناك مَنْ يحكي قصصَ وجعٍ وألمٍ بترانيم وموشَّحات طرب.
فمَنْ تكونُ “ميساء أبو ديب” ؟
الفن الأصيل علاجُ النَّفس بالموسيقى كما تقول “ميساء أبو ديب” ابنة مدينة حمص ذات الثلاثين عاماً، فقد عاشتْ ميساء طفولتها بين كلماتِ وألحانِ الأغاني في حصصِ الموسيقى المدرسيَّةِ ورحلاتِ الأصدقاءِ واجتماعاتِ الجوقاتِ الكنسيَّةِ التي أعطَتْ أبو ديب الفرصة الأكبر لدخول مدرسة “القديس رومانس المرنَّم” للموسيقى البيزنطيَّة في عمر الثَّامنة عشر، فامتلأتْ نفسُها بشغفِ الفنِّ، وتابعتْ مسيرتها الفنّيَّة في المعهدِ العالي للموسيقى في دمشق، ولكنَّ الظُّروف الصَّعبة التي مرَّتْ بها مدينة حمص في تلك الفترة حالتْ دون سفرها للاستقرار في دمشق.
بين “الفنّ الأصيل” و “النَّمط الحديث” فراغ إنتاجي.
إنَّ اتِّباعها الفنّ الأصيل من الميِّزات التي تمتلكُها ميساء؛ إذ وقفت على مسرح دار الثَّقافة في حمص لمرَّات كثيرة جداً سواء أكانت مرنِّمة برفقة الجوقات أم مغنِّية مع أهمِّ العازفين في مدينة حمص، وأهمُّهم الأستاذ “نظير موَّاس”.
ساهمَ ذلك في بروز اسم “ميساء أبو ديب” كأهمِّ الأصوات الموجودة حالياً في المدينة وبشهادة كبار الموسيقيِّين في حمص، ولكن في الوقت نفسِه شكَّل ذلك عاملاً سلبيَّاً أمام موضوع الإنتاج الفنِّي في مسيرةِ ميساء؛ إذ أشارت لنا إلى ضَعف العمليَّة الإنتاجيَّة لهذا النَّوع من الفنِّ في الوقت الحالي بسبب توجُّه معظم المنتجين للنَّمط الحديث من الأغاني تلبيةً لحاجات السُّوق ومتطلَّباته .“أريج الديري” موهبة أدبية تسير على طريق الإبداع
في الوقت الرَّاهن، ما هي الصُّعوبات التي تعاني منها الأصوات الجميلة في سورية عموماً، وحمص خصوصاً ؟
قالت : الفنُّ الأصيل بيّنَ لي صعوبة أن يمتلكَ الإنسان شغفاً كبيراً، فإصراري على أن أجعلَ صوتي يصل إلى قلوب النَّاس اصطدم بعوائقَ كثيرة، ومنها: قلَّة الفرص في حمص، وضعف ثقة المنتجين بالأصوات الشابَّة الجديدة التي تتبع النَّمط الكلاسيكي وخصوصاً في عصر مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ الذي فتح مجالاتٍ كبيرةً لأشخاص لا يمتلكون مقوِّمات الفنِّ أن يستأثروا الأضواءَ بطرق غير منطقيَّة.
الأغاني الخاصَّة والأهداف ؟
أصدرتْ ميساء العديد من الأغاني الخاصَّة، تعاونتْ فيها مع مجموعةٍ من الأصدقاء، وقد حقَّقت هذه الأغاني أصداءً جميلةً جداً في وسطِها ومحيطِها، وهي تسعى اليوم للعملِ على مزيد من الأغنيات الخاصَّة ولو بإمكانيَّاتٍ ضعيفةٍ، وعبَّرت لنا عن أمنياتِها في محاولة الحفاظ قدر الإمكان على الفنِّ الأصيل لتقديم فنٍّ متوازنٍ ومحترمٍ، كما تمنَّتْ أن تأخذَ مكانةً مناسبةً تستحقُّها بين محبِّي الفنِّ الجميلِ.
من شبابيك نتمنَّى لصاحبة “الصَّوت الشتوي” كما يلقِبُّها “الحماصنة” النًّجاح الذي تستحقُّه كموهبة شابَّة تتمتًَع بصوتٍ مميَّزٍ.
إعداد : جورج درويش