أخبار العالم

البيت الدمشقي أصالة التاريخ وعراقة التراث 

 

 

 

يدلُّ البيت الدمشقي على جمال فنِّ الديكور في مدينة دمشق فهي من أهم المدن التي تحدَّث عنها الكثيرون بالإعجاب والتقدير حتى وصفها الإمبراطور جوليان (361-362)م بقوله المأثور “دمشق عين الشَّرق كلِّه” فدمشق أقدم عاصمة في التاريخ، مهد الحضارات والأديان، مهد الإنسان الأول، موطن الأنبياء، فالحياة لم تنقطع عنها منذ ماقبل التاريخ وحتى الآن، وهذا خير دليل أنَّ الثقافة والحضارة وُلدت وتلاقحت فيها ومازالت، فمدينة الأسواق والخانات والحارات والأزقَّة تتباهى بما تمتلكه من تراثٍ عريقٍ، من قصورٍ وبيوتٍ عربيَّةٍ، فمازالت تحتفظ بمكوِّنات المدينة القديمة، وما زال السور موجوداً والبيوت داخله، ويعود تاريخ البيت الدمشقي إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر.

 

_رؤية الفن الدمشقي:

يحتوي هذا الفنُّ الدِّمشقيُّ العريق على جمالية للديكور والتراث، وعناصر زخرفية وإبداع هندسي قلَّ مثيله في العالم؛ إذ تدخل عليه بطرقٍ فنيَّةٍ خالصة خطوط وألوان نباتية وأغصان وورود ورسومات المدن والقصور، كما في ذلك بعض القصور والبيوت الدمشقية المجاورة للجامع الأموي الكبير، مثل  بيت نظام، وقصر العظم، وهنالك أبعاد هندسيَّة وفنيَّة في فنِّ الحفر على الخشب، تقتضي الدقة والتَّقانة الخاصَّة بمادة الخشب أو الألوان أو الأشكال الهندسيَّة كالمقرنصات والجسور والنافر والنابذ منها.

 

_فنون العجمي والأرابيسك والدامسك في دمشق:

تعدُّ فنون العجمي والأرابيسك والدامسك والموزاييك من فنون الحفر على الخشب في مدينة دمشق؛ إذ تكتسب هذه المهن منذ فترةٍ طويلةٍ أهميةً كبيرةً في التراث والثقافة السوريَّة والعربيَّة، ولها ميِّزاتٌ فنيَّةٌ خاصَّةٌ بها خلال مئات السنين، ونجد هذه الوثائق التراثيَّة الفنيَّة عادة في العديد من القصور والمساجد والحمامات والخانات وبيوت دمشق القديمة، ولها سمعةٌ وشهرةٌ عاليةٌ؛ إذ تحظى هذه المعالم الأثريًَة الحضاريَّة بكثير من الاهتمام.

 

ويذكر المؤرِّخ البديري الحلاق في يومياته أنَّ والي دمشق أسعد باشا العظم أخذ دار  معاوية وماحولها من دور وخانات قديمة إضافة لمحال تجارية،  وشرع في بناء داره التي كانت تسمَّى سرايا العظم مشيراً إلى أنَّ مختلف مواد بناء قصر العظم كانت من الأخشاب والحجارة الملوَّنة، من غوطة دمشق وضواحي المدينة، وتوجد داخل القصر قصورٌ وبيوتٌ عديدةٌ وأشكالٌ فنيَّةٌ جداريةٌ وسقفيةٌ، وديوكٌ ومقرنصاتٌ هندسيَّةٌ توضِّح طبيعة الفن إضافة لطبيعة البيت الدمشقي القديم والعريق؛ إذ نجد غرفاً وبيوتاً أثريَّةً مصمَّمةً بطريقةٍ هندسيَّةٍ وفنيَّةٍ رائعةٍ يقدَّر عمرها أكثر من 1200 عاماً تقريباً، مثل قصر شهرزاد جانب النوفرة.

 

_مصطلحات من البيت الدمشقي:

– حرملك: الغرفة التي تجتمع فيها النسوة.

– سيباط: هو ممرٌّ مسقوفٌ وسط زقاق أو شارع.

– المشربية: درجٌ يستند على جدار يوصل إلى الطابق العلوي المفتوح على الشارع، يؤمِّن له الخصوصية شباك من الخشب البارز من الجدار.

– الدهليز: ممرٌّ ضيقٌ بين مدخل الباب والدار.

– الخوخة: الباب الصغير الذي يدخل أو يخرج من خلاله الأشخاص إلى البيت ومنه إلى الحارة.

 

_ميزات البيت الدمشقي:

يتميَّز الفنُّ الدمشقي برؤيةٍ هندسيَّةٍ فنيَّةٍ نادرةٍ، لها مغزى عميقٌ في توثيق التراث؛ إذ ترك الفنَّانون بصماتهم على الكثير من الأعمال الفنيَّة الباهرة وخاصَّة الموجودة في قصر العظم، أو في بيوتٍ دمشقيَّةٍ لها شهرتها كمكتب عنبر، وبيت سباعي، وبيت نظام ضمن الحارات الدمشقية القديمة إضافة لوجودها أساساً في مدخل الأموي ومنابره الأساسية، إضافة لغرفة الاستقبال في متحف دمشق الوطني، وقبر “بختي خاتون” بنت السلطان معز الدين؛ إذ حُفرت عليه عبارات وكلمات وهو مصنوع على طريقة الأرابيسك والخشب.

 

والبيت الدمشقي عموماً له جماليةٌ جغرافيةٌ وبيئيةٌ وتراثيَّةٌ خاصة به تماماً، فأول ما يمرُّ به الزائر إلى بيت دمشقي “باب زقاق” وهو بابٌ واسعٌ يستعمل لإدخال الأغراض الضخمة إلى المنزل، ثمَّ أرض الديار وهي فسحةٌ سماويةٌ كبيرةٌ، تتوسطُّها بحرةٌ رخاميةٌ، ومن أبرز عناصره “الليوانات” التي بُنيَتْ مقابل جهة الشمال كي يكون جوُّ البيت الدمشقي دافئاً في الشتاء، ولطيفاً في الصيف، ويعتليه قوس كبير يحدِّد اتجاه القبلة، مزخرف بالنقوش الحجريَّة النباتيَّة، وفي الطابق الأول توجد غرف الاستقبال والغرف السكنية، أمَّا في الطَّابق الثاني غرف المعيشة وغرف النوم، لقد امتلك فنانو وصنَّاع هذه الفنون الدمشقيَّة العريقة كل الخبرات الفنيَّة والتِّقنيات اليدويَّة والحديثة الخاصة بها، التي أهَّلتهم للقيام بالأعمال الفنيَّة الجميلة التي تحمل الذَّوق الرفيع والفنَّ العريق.

 

وبالرغم  من توجُّه أهالي دمشق إلى السكن في بيوتٍ حديثةٍ لأنَّ لكلِّ مرحلةٍ مفاهيمها الجمالية الخاصة، إلَّا أنَّ البيوت الدمشقية القديمة وتفاصيلها العريقة وقيمتها الفنيَّة العالية مازال لها رونقها الخاص، كما يتمُّ إعادة صنع أعمال على مثيلاتها في قصور وبيوت دمشقية وغير دمشقية فهي تعلو ولايُعلى عليها.

 

دينا عساف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة | شركة سيو