مقالات رأي

في الحلقة الأخيرة من ستيلتو … شبابيك خاصة

الحلقة الأخيرة من ستيلتو

جملة رنّانّة “على الدراما أن تصور الواقع” عالقة في ذهن كل من يريد أن ينتقد عملاً درامياً لم يحبه، فتراه يلوم الدراما دون أن ينظر إلى حال الواقع الذي نعيش به أو ربما دون أن يفكر أبعد من أنفه بقليل عن أن في بعض بلادنا العربية تستطيع أن ترى ما هو أهم وأفظع من الغرب ولو بكعب عالي، ناهيك عن من يجلسون خلف الشاشات بلا غاية تُدرك سوى توجيه أصابع الإتهام على مُدخلات غريبة برأيهم يفرضها البعض على مجتمع عربي لا حول له ولا قوة، وكأنك لوهلة تصدق نظرية المؤامرة التي يقنعون بها أنفسهم كشعب عريق وأصيل بجزور ضاربة في عمق التاريخ والجميع يريد نهش عراقته المحنّطة.

 

نعم تخدشهم رومانسية ظافر العابدين في عروس بيروت وتستفزهم استقلالية دانا مارديني كسيدة عالحلوة والمرة ويحفر صوت ستيليتو ديمة قندلفت العالي صباحاً في نخوتهم، ولكن الأفلام الأجنبية التي يشاهدوها عن الزومبي ومصاصي دماء البشر وسارقي البنوك و مفهوم “one night stand” والعلاقات المحرمة يصب في محض ثقافتنا العربية ! أليس كذلك ؟

 

ما القصة ؟

 

عمدت إحدى المحطات العربية الشهيرة منذ سنوات قليلة في اختيار قصص من الدراما التركية والعمل على إعادة تكريرها عربياً بالكامل على أن يتم تصويرها في تركيا بنفس شروط الإنتاج التركية وبالتالي بنفس العامل اللوجيستي المنصوص عليه في النسخة التركية،

ولا شك أن هذه الأعمال والتي كان عمل “عروس بيروت” أولها لاقت نجاح كبير في الشارع العربي تخبرك عنه نسب المشاهدة والمتابعة واهتمام القنوات العارضة وشهرة نجومه عربياً وتداول مقاطعهم وحفظ الكثير من جملهم “كلامهم المكرر” بالإضافة إلى طلب إنتاج أجزاء أخرى من نفس العمل وبالطبع فليس من مصلحة أي شركة إنتاج العمل على جزء جديد من أي عمل غير مُشاهد “خاسر إنتاجياً” ، وتابعت هذه المحطة نشاطها مع مسلسل “عالحلوة والمرة” الذي كان من بطولة أسماء شابة من سوريا ولبنان ولكنه كان قصيراً بالنسبة لعروس بيروت ورغم ذلك لم تقل نسب مشاهدته عن الأخير وإنما حقق في قصة الحب الذي أبدعت ببطولتها دانا مارديني متابعة كبيرة أيضاً، وسرعان ما عادت الشركة المنتجة التابعة للمحطة العربية المشهورة بإعلانات ضخمة عن عمل جديد سيكون الفورمات الثالث وجمعت فيه أهم نجوم سوريا ولبنان تحت اسم “ستيليتو” وهو ما يعني الكعب العالي وذلك دليل على القصص النسائية التي سوف يطرحها العمل ومع بداية عرض الحلقات الأولى منه أعلنت فئة من المشاهدين العرب حدادها على المجتمع العربي المتماسك وثارت ضد من يريد تلويث أفكارنا النظيفة بإدخال قصص بيئات أجنبية بما فيها من لباس أنيق وحب جارف وشخصيات معقدة نفسياً على بيئتنا التي لا نقبّل فيها بعضنا البعض إلا بالحلال ولا نلبس الكعب العالي فيها إلا في زفاف الأخ البكر نحن الأصحاء نفسياً إلى دهر الداهرين أمين.

ديمة قندلفت فلك معوض جوكر ستيلتو بجدارة

الحلقة الأخيرة من ستيلتو

“ستيليتو” كمثال :

 

تكاد تدهشك كمية التعليقات السلبية على منشور واحد على موقع فيسبوك أو انستغرام يتحدث عن عمل تركي معرب مثل “ستيليتو” وكل هذه التعليقات تتمحور في إطار واحد وهو الجرأة في هذه النوعية من الأعمال كالقبل مثلاً أو الخيانة الزوجية أو الغدر، وهنا لا بد لنا وأن نسأل سؤال وجيه جداً “أليس في بلاد العرب قُبل وخيانة ؟ ”

كيف يخلى الواقع العربي من القبل والجنس المحرم والخيانات ونحن نفيض بشوراعنا بكل هذا الألم ؟

من أين تأتي نسبة الطلاق الأعلى في المجتمعات العربية طالما أننا أوفياء بكل هذا القدر لمن نحب ؟

لماذا نمتلك في حارتنا أطفالاً مجهولي الهوية والنسب، ونحن بكل هذا الولاء للشرائع الدينية التي ننتمي إليها ؟

 

وفيما يخص موضوع الأناقة والإهتمام في المظهر الخارجي فلا بد أن يكون الأقربون أولى بالمعروف فأعمالنا العربية البحتة منذ باب الحارة ترى الفتاة تستيقظ بأنفها المرسوم “بالكونتور” وشفاها المنفوخة ومطلية “باللبستيك” ومسكرتها فوق رموشها الإصطتناعية لتواجه صباح يوم من أيام الإحتلال الفرنسي، وهذا ما يتجلّى نفسه في الأعمال اللبنانية والخليجية أيضاً بالحرف، ربما الدراما المصرية وحدها هي التي قد يشهد لها بأنها الأكثر مقاربة مع الواقع العربي من جميع النواحي كونها ما زالت تحتفظ بمنحى الشغف.

ناهيك عن أننا في مجتمعنا العربي نعم لدينا سيدات تستقيظن صباحاً في السادسة لترتدي ملابسها الأنيقة وكعبها العالي وتساعد أولادها في تناول الفطور قبل ذهابهم للمدرسة وقبل توجهها هي أيضاً لعملها الذي يفرض عليها المظهر الأنيق كسيدة عاملة مستقلة وخصوصاً في بيروت ودبي وقسم من السوق العملي في مصر، فبكل بساطة يوم واحد في دبي يكفيك لأن ترى عالم الكامباوند على أصوله هناك وكل من يقطنوه هم العرب، لذلك فإن الصورة النمطية للسيدة العربية التي تسيطر على عقليتنا والتي تفرض دورها كربة منزل يزينها مريول المطبخ ويريحها “الكروكس” لا بد وأن بتنا بأمس الحاجة لأن نكسرها لأن الواقع لم يعد كذلك.

 

الممثلين العرب :

 

لا سيما أن مثل هذه الأعمال تستقطب أسماء عربية مهمة لتلعب بطولاتها وغالباً ما يكون التركيز على نجوم سوريا ولبنان، ف “ستيليتو” مثلاً جمع نخبة لا يستهان بها من مبدعي شاشاتنا السورية واللبنانية في قصة تدور أحداثها في لبنان.

تقاضوا مبالغ مادية ضخمة مقابل عمل مُتعب قاموا به بالتصوير المتواصل لتسعة أشهر في تركيا، برزت أسماء منهم على حساب الأسماء الأخرى وربما هذا سياسة إنتاجية وتسويقية نحتاج لأن نعرف عنها الكثير قبل أن ننتقدها.

فالأداء البارد الذي وصفت به “كاريس بشار” في ستيليتو مثلاً والذي استفز المتابعين لا ينفي أنها نجمة صف أول عربياً وتدرك تماماً ماذا تفعل وكيف تحرك السيناريو المكتوب على الورق وتنقله للأداء المناسب للشخصية التي أرادها الكاتب، وإن لم يعجبنا ردات فعلها فهذا لا يعني أنها لم تؤدي دورها على أكمل وجه وخصوصاً بظل الظروف الإنتاجية العالية والكادر المحترف الذي اهتم بالعمل ككل، ولا حاجة طبعاً لأن نعلق على أداء ديمة قندلفت المميز والذي رفع من سوية العمل وأبرز ذكاء النجمات السوريات في اختيار الدور المناسب الذي من الطبع أن يترك بصمة مختلفة.

وأيضاً عروس بيروت الذي قدّم كارمن بصيبص كنجمة صف أول وعرّف الجمهور العربي على الممثلة السورية مرام علي والتي تستعد اليوم لتلعب بطولة المسلسل الفورمات الرابع تحت عنوان الخائن بدور بطولي يجمعها مع سلافة معمار وقيس الشيخ نجيب.

ولكن ربما كانت الأكثر تألقاً في هذه الأعمال والتي رسمت خط مميز لنفسها كانت السورية نور علي التي حققت شهرة عربية واسعة في سنواتها الأولى في التمثيل.

 

سلبية هذه الأعمال والبديل عربياً :

 

بالطبع فإن هذه النوعية من الأعمال تمتلك العديد من السلبيات، وأننا نستطيع الإستغناء عنها بسهولة في حين توافر أعمال عربية على المستوى المطلوب قادرة على إمتاعنا بعيداً عن نصوص بيوت الدعارة وتجارة المخدرات وخلط حابل الجنسيات بنابل القصص الخرافية التي نراها في الأعمال المشتركة.

 

وخصوصاً وأننا نمتلك عدد لا يستهان به من كتّاب الدراما العربية بين سوريا ومصر ورغم قلة الفرص التي تعطى لهم في ظل الشللية التي تتميز بها شركات الإنتاج في عالمنا العربي واعتمادهم ثقافة “حَلب المبدع الواحد” بينما يهملون العشرات في منازلهم، لكن لا بد وأن تشرق شمس الدراما العربية من جديد ولا بد ذلك في اليوم الذي نرى فيه المنتج العربي قادر على قراءة سيناريو مشهد بعين مخرج وأداء ممثل لا بثقل حقيبة سمسونايت.

 

مجلة شبابيك _جورج درويش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة | شركة سيو