مقالات رأي

شبابيك من الذكريات… جيل التسعينات السوري

إلى الملهم الأول والأخير الذي جعل من عقدة العالم الأزرق الممتلئ بالسخافة مكاناً للثقافة، وإعادة البحث عن الماضي والنواح عليه بحسرة، عالمي المفضَّل رغم الألم الذي يلوي بذاكرتي، صفحة “جيل التسعينات السوري” فذكرياتهم وأفكارهم دغدت قلبي لكتابة رؤوس أقلام عن سنين الازدهار، حيث لا حروب ولا هجرة ولا دمار ولا جرائم شرف وانتحار، العصر الذهبي الذي امتدَّ من عام ٢٠٠٤ إلى ٢٠١٠.

 

 

 

حينها كنَّا مازلنا نشاهد مسلسل “أهل الغرام، ووشاء الهوى، وجلسات نسائية، والفصول الأربعة “، وكثيرٌ ما حلمنا على موسيقاهم التصويرية أن نكبر بسرعة، ونختلس من العمر أجمل لحظاته بين أروقة الجامعة مع شاب وسيم أو فتاة شقراء تقاسم حبيبها ثمن فاتورة الغداء دون ترديد شعارات مزيَّفة عن المساواة وحق النساء، فلكلِّ منهن مكانتها وحضورها في الواقع و لا حاجة لتلميع بروفايلها، كما هو الحال في هذا الزمن الرديء المليء بالحبِّ المزيَّف والشهادات الفخرية.

وأذكرُ أيضاً برغم النهاية الحزينة لحبِّ غيث وليلى في “وشاء الهوى” إلَّا أنَّه تغلغلَ في حنايا ذاكرتنا، وبكينا كثيراً في السر على فراقهم، ولم نبكِ اليوم على عشاق الدراما المشتركة، لأنَّ الكاتب أو المخرج رغم ذكائهما لم ينجحا بإقناع قلوبنا أنَّ هذا حقيقة، وحدث في بقعة جغرافية من هذا العالم، فرائحة العطور العالمية وبريق الماركات والبوتوكس سرقت منا التراجيديا والنوستالجيا، فنحن عشَّاق دمشق القدامى، نشتاق لوجوه ملأت شاشاتنا، كبرنا معها وتمنَّينا تقليدها، وعيش صراعاتها الموحشة قبل المفرحة في أزقة دمشق التي تحفظ الأسرار أو تفضحها فهي ومزاجها.

 

 

 

وكوني من جيل التسعينات الذهبي، لكنَّ الحظَّ لم يحالفني لأكون من سنة “٩٠،٩١،٩٢” فلم أشاهد أو أسمع من أحد عن الحياة الليلية لدمشق لولا كان هنالك فئة صغيرة جداً تحدَّثت عنها ببضع أفكار(جيل التسعينات السوري)، عندما كانت دمشق أوروبا الآمنة الخالية من الإرهاب وذلك في مطلع عام ٢٠٠٨، عندما بدأت الحياة الليلية في دمشق وافتتح بها أكثر من خمسة وعشرون “نايت كلوب” دفعة واحدة في عدَّة مناطق، منها: “الشعلان، باب توما، ساحة النجمة وساحة المحافظة”، وبدأت دمشق بمنافسة بيروت في السهرات والحفلات التي تستقطب الناس من بلاد غربية وعربية.

كما نشطت الحفلات في فصل الصيف بشكل كبير من خلال استضافة دمشق لمغنٍّ مشهور من لبنان، وDJ؛ إذ وصل توافُدُ السياح والشباب للحضور إلى ٥٠٠ شخص،و كانت فنادق دمشق القديمة تكتظُّ بالنزلاء وأغلبهم أوروبيين من “كندا، والتشيك” بسبب المجلات الإعلامية التي تحدَّثت عن سورية في تلك الحقبة وحياتها الليلية والأمان، فأغلب الفضائيات كانت تتحدَّث عن دمشق وتاريخها العريق.

 

 

 

دمشق بين عام ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٠ لم تكن تعرف ماذا يعني عقوبات اقتصادية، وحصار تعليمي لأغلب الشهادات العالمية، فكانت حينها الجامعات الأوربية تستقبل السوريين والعكس تماماً دون أيَّة مشاكل، والبعثات لنا نصيب وفير منها، وعلى الرغم من محدودية التكنولوجيا في ذاك الوقت إلَّا أنَّنا كنَّا أكثر ثقافةً واندفاعاً لمعرفة كلِّ شيء.

منصة جيل التسعينات السوري لم تتجاهل أيضاً تغيُّر الزمن والظروف، فباتت تتابع معنا فرص السفر والدراسة، وتقدِّم أفضل النصائح العملية والمجرَّبة، للتقليل قدر الإمكان من الوقوع بالخيبات، فلا طاقة لنا بخذلان جديد، والذاكرة اكتفت من الخيبات في تلك العشر سنوات.

 

شبابيك _ رهف عمار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة | شركة سيو