مقالات رأي

اجتمع ثالوث الإبداع فكان مسلسل أحلام كبيرة

مسلسل أحلام كبيرة

نامي إذاً يا روحُ نامي .. نامي الآن

عندما تسمع هذه الكلمات تعود بك ذاكرتك إلى ذاك البيت الدِّمشقي الذي يقطنه أربعة شبَّان في مراحل عمريَّة متقاربة، ووالديهم يطاردون أحلامهم التي قد تتحقَّق أو يبتلعها الزَّمن، بقلم أمل حنا وإخراج حاتم علي دخلت “أحلام كبيرة” قلوب الناس دونما استئذان.

يعود هذا المسلسل بالمُشاهِد إلى ذاكرته الأولى المكتنزة باللَّحظات الجميلة والقاسية، خلافاته مع أشقَّائه أو اعترافه بمشاعره لحبيبته لأول مرَّة، يعود بك إلى جمالية تفاصيل الحارة الدِّمشقيَّة فتكاد أن تشمَّ رائحة الخبز الطَّازح، فكلُّ ذلك دون اللُّجوء للكليشيات التقليديَّة مثل الملاءة أو الطَّربوش أو التقليل من شأن المرأة لعكس الصُّورة الحقيقيَّة لأحياء دمشق القديمة.

وهناك تفاصيل بسيطة وخاصَّة في عرض العمل، على سبيل المثال فواصل النَّقل بين المشاهد في عرض لقطات الحياة اليوميَّة أضفت طابعاً رقيقاً في رفع حساسيّة العمل وتأثيره على المشاعر كمشهد زحمة السّير مثلاً أو بائع الخضار الذي يصيح بأسمائها أو أم تنتظر حافلة ولدها المدرسيَّة، إضافة إلى الأسلوب المميَّز في عرض مشاهد المكالمات الهاتفيّة؛ إذ نجد أنَّه يجري تقسيم الشَّاشة إلى قسمين لنرى ردود أفعال كلا الطَّرفين تجاه حديث أحدهما، وأحياناً تُقسَم إلى ثلاثة أقسام فتعرض ثلاثة أطراف، بالإضافة إلى نقل الكاميرا بين النجوم بطريقة لا تفصل أحدهما عن الآخر وبشكل سريع وتحديداً عند الحوارات المتصاعدة والمشاهد المفصلية.

مسلسل أحلام كبيرة وقضايا اجتماعية

يطرح المسلسل العديد من القضايا الاجتماعيَّة التي يعاني منها مجتمعنا العربي على وجه الخصوص، من خلال تقديم عائلة أبو عمر الحلبي التاجر الدِّمشقي المفلس، امتلأ المسلسل بالصِّراعات والمواقف غير المثالية، ولمَّح بقوَّة للتَّعقيدات الطَّائفيَّة، والعنف الأسري في سوريا، كلُّ هذا جُسَّدَ من خلال عائلة مكوَّنة من ستة أفراد، أربعة شبَّان وأب وأم لكلٍّ منهم طموحه الذي يعمل لأجل تحقيقه إلَّا أنَّ مشكلة “أبو عمر” (بسام كوسا) مع أخيه “أبو شريف” (حسن عويتي) الذي كتب له والده كلّ أملاكه باسمه أدَّت لحدوث مشاكل بينهما انتهت بإصابة أبو عمر بجلطة دماغيَّة، ودفعت عمر (باسل خياط) إلى إلغاء سفره إلى الولايات المتحدة لدراسة “الفيزياء الحديثة” ليقرِّر دراسة الحقوق والعمل مع صديق والده لإعالة العائلة، يمثِّل ذلك انهيار الأخلاق والقيم التي عبر عنها “عمر” بقوله: « يبدو أن الحياة صارت ملكاً للاعبي الكشاتبين والأثرياء، ومن يسير في الطَّريق الصح تروح عليه، فلا مال ولا حب ولا عائلة»، أمَّا “حسن” (رامي حنا) الولد الثاني فلم يتراجع عن حلمه في جمع الثَّروة وامتلاك شركة سياحيَّة إلَّا أنَّ ذلك سيتمُّ باتخاذ طريق غير مشروع لتحقيق ذلك الحلم الذي أوقعه فيما بعد بعدَّة مشاكل مع الشركات السياحيَّة الأخرى، أمَّا “سامي” (قصي خولي) الولد الثالث الشاب المثقَّف الذي يصبح ممثِّلاً فيما بعد ويتزوَّج من “سلمى” (نادين تحسين بيك) تلك الفتاة التي عاشت في منزلهم لفترة و وعدها بالزَّواج حين تكبر والتي تمثِّل قضية التَّعلُّق المرضي بالأشخاص وفقدان الثِّقة بالنفس، وأخيرًا “رشيد” (الذي جسَّد شخصيته كشاب الفنان مكسيم خليل) طالب الجامعة الذي يعمل مع أخيه حسن في الشركة السياحيَّة ويحبُّ زميلته “هيفاء” (نسرين طافش) التي تمثل نموذج الفتاة المرحة المنطلقة، فهي كما تصفها نسرين شعلة من الحركة والنَّشاط، زهراوية، تنثر الفرح أينما ذهبت، لم تؤثِّر فيها مشكلاتها الأسرية لإيمانها أنَّ لكل أزمة حلّ، ومن جهة أخرى فإنَّها تكاد تكون الشخصية الوحيدة في العمل التي لم تكن سلبية، أو تعاني من مشكلات مستعصية: مرض القلب واستحالة الإنجاب، واختلاف الدين، والمهانة والضرب والقتل والطلاق.. الخ..

صحيح أنَّ العمل لا يطرح حلولاً للمشكلات التي يعرضها، وهذه ليست مهمَّة الدراما على كلِّ حال، إلَّا أنَّه يؤشِّر بشجاعة إلى المسارات والخيارات الضرورية لمواجهة هذه المشكلات.. وربَّما كان في مقدِّمتها صيغة الخلاص بوحدة العائلة وتماسكها كردٍّ على دمار الأفراد وخيبات أملهم، وقد يكون الخلاص باتجاه العلمانيَّة عبر اقتراح مضمر بالزَّواج المدني مثلاً حين يحول اختلاف الدين بين الحبيبين دون تواصلهما فهناك الأسرة التي تنتمي إلى ديانة أخرى تحرم ابنتها منى من الزواج بمن تحبُّ بسبب اختلاف الدين؛ إذ دبَّروا سفرها إلى الخارج بسرعة فكان أن وأدوا حبَّهما في المهد.

وبعيداً عن المضامين والأفكار التي قدَّمها مسلسل أحلام كبيرة، فقد جرى تقديم العمل بلغة فنيَّة مدهشة أدارت دفَّتيها عين كاميرا حاتم علي باقتدار عبر نص رشيق للكاتبة أمل حنا يتقن لغة الدراما التلفزيونيَّة بتشعُّب خطوطها وتماسكها ووحدتها في آن، إلى جانب موسيقى تصويريَّة مدهشة بتوقيع “طاهر مامللي “، ومع أغنية الشَّارة المتميِّزة التي وضع كلماتها الشَّاعر “نزيه أبو عفش” وبصوت الفنَّانة “نورا رحال”، وعبر ممثِّلين مبدعين يؤكِّدون جدارتهم وامتيازهم، وفي مقدِّمتهم بسام كوسا وسمر سامي.
الأفلام الكرتونية القديمة، وسر تعلقنا بها

حلا فطوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة | شركة سيو